في ذروة جائحة فيروس كوفيد 19 كان كل ما يتعلق بكرة القدم استثنائيًا. مباريات بدون جماهير، وقوائم للفرق تتغير كل مباراة طبقًا لنتيجة الفحص، وبطولات تُلغَى وأخرى تُلعب في ظروف أغرب من الخيال. إلا أن أمرًا وحيدًا ضمن تلك الاستثناءات أثبت مع الوقت أنه خيار تأخر الكثيرون في الأخذ به، ونقصد هنا بالطبع زيادة عدد تغييرات اللاعبين إلى خمسة بدلًا من ثلاثة. هذا التغيير الذي طرأ على كرة القدم لمعالجة تعافي اللاعبين التدريجي من الكوفيد اللعين، ثم أصبح علامة قد تغير من شكل كرة القدم التي عرفناها لسنوات.
انتهى فيروس كورونا بلطف من الله، إلا أن قاعدة زيادة التغييرات عُمِل بها في معظم البطولات والدوريات الكبرى، فما السبب؟ وهل بالفعل لها هذا التأثير في مجريات اللعب؟ ومن المستفيد الأكبر من تلك المزية؟ دعنا نبدأ من البداية، ماذا اكتشف الجميع بعد تطبيق هذه القاعدة؟
تضخمت روزنامة المباريات بشكل لم يحدث من قبل في تاريخ كرة القدم، يمكنك ملاحظة هذا الأمر من خلال متابعة عدد الفرق في النسخ الجديدة من البطولات العالمية. ففي العام 2016 زاد عدد الفرق المشاركة في بطولة أمم أوروبا إلى 24، وهو العدد المتوقع زيادته في النسخ القادمة، أما كأس العالم القادم 2026 فهي النسخة الأولى التي تُقام من 48 فريقًا بدلًا من 32 كما هو معتاد.
تلك الزيادة الفائقة في عدد المباريات أثرت سلبًا في قدرات اللاعبين. ففي موسم 2018-2019 على سبيل المثال لعب سون هيونج مين 78 مباراة، 72% من تلك المباريات تخللها أقل من خمسة أيام راحة، ولم ينَل إجازة سنوية إلا ثلاثة أسابيع فقط!
هذا التلاحم بين المباريات كان السبب الأبرز الذي تشبث من أجله الجميع بقاعدة التبديلات الخمسة، هذا لأن الوقت المحدود للتعافي بين المباريات يؤثر دون شك على الأداء الفني والبدني للاعبين.
أعتقد أن قاعدة التبديلات الخمسة ستغير قواعد اللعبة، نحن نلعب بشكل مكثف للغاية، وهذا سيساعدنا بالتأكيد، إنها ميزة واضحة حتى لو كان هناك رأي سائد بأن المستفيد الأكبر هو الفرق الكبرى.
تشبث الجميع من أجل كرة قدم أفضل، إلا أنه وكما يقول هازنهوتل كان ما يؤخر قناعة البعض بتلك القاعدة أنها ربما تخل بتكافؤ الفرص، فالفرق الكبرى ذات القدرات الاقتصادية الضخمة هي المستفيدة الكبرى، حيث قائمة لاعبين مدججة بالنجوم، وهذا طرح وجيه يحتاج للتحليل.
يمتلك الباحث إجناسيو بالاسيوس، مؤلف كتاب «نظرية اللعبة الجميلة: كيف يمكن لكرة القدم أن تدعم الاقتصاد»، نظرية مغايرة تمامًا لشرح الأمر يدلل من خلالها أن الفرق المستفيدة من تلك القاعدة هي الفرق الصغرى دون شك.
يعتقد إجناسيو أن استفادة فريق معين تعتمد على كيفية مقارنة التغيير النسبي الخاص به بالتغيير النسبي لخصمه، وبالتالي لا يهم إذا ما كان لدى فريق ما لاعبون أفضل أو أسوأ.
لنفترض أن الفريق الأول ومقاعد البدلاء لكل فريق يتمتع بجودة قابلة للقياس بتعيين رقم من 0 إلى 100، مع كون الرقم 100 هو الأفضل، وأن هناك مباراة بين فريق قوي وفريق ضعيف، يُستبدل فيها جميع اللاعبين في الشوط الأول، الفريق القوي يضم 11 لاعبًا بجودة 100 و11 آخرين بجودة 60، وفي المقابل يضم الفريق الضعيف 22 لاعبًا متطابقين، جميعهم بجودة تساوي 20.
بالطبع لدى الفريق الضعيف فرصة منخفضة للفوز في كل الأحوال، لكن الأهم من ذلك أن فرصهم في الفوز ترتفع عند إجراء 11 تغييرًا، والسبب هو أن الفريق يمتلك لاعبين أكثر تجانسًا، ويتمتع بجودة لاعبين أكثر تشابهًا، وقادر على إجراء المزيد من التبديلات المماثلة.
طبقًا لفرضية بالاسيوس فإن الفرق التي يمكنها إجراء المزيد من التبديلات المماثلة هي التي ستستفيد أكثر من إمكانية إجراء عدد أكبر من التبديلات، بغض النظر عن ثرواتها، وبالتالي المستوى العام لجودة الفريق.
وليس شرطًا أن تمتلك الأندية الكبيرة فرقًا أكثر تجانسًا من الفرق الأصغر، بالعكس لأن الفرق الكبرى تضم أفضل اللاعبين، والذين بدورهم يحصدون حصة أكبر من الرواتب، وهذا يجبر الأندية الضخمة على اقتناء لاعبين آخرين أقل شأنًا بمرتبات أقل. ونظرًا لأن الرواتب مرتبطة بالجودة والأداء، فإن هذا يدفع الأندية الأكثر ثراءً إلى الميل إلى امتلاك فرق غير متكافئة أكثر من الأندية الأقل مالًا. ومن ثَم فإن الأندية الأكثر ثراءً سوف تستفيد بشكل أقل، وليس أكثر من قاعدة التبديلات الخمسة.
ربما يثبت بيب جوارديولا نظرية بالاسيوس، فهو من أكبر الداعمين لقاعدة التبديلات الخمسة، ورغم هذا لم يستخدمها إلا خمس مرات فقط الموسم الماضي!
هل هذا معناه أن الفرق الصغيرة وحدها هي من تستفيد من تلك القاعدة، بالطبع لا، فهناك عامل في غاية الأهمية يتعلق بتلك القاعدة، وهو محاولة تقليل حجم الإصابات، وهو الأمر الذي سينعكس على الجميع بالإيجاب دون شك.
كلما كان اللاعب متاحًا، كان أكثر إفادة للفريق. ولا فرق هنا بين لاعب ذي إمكانات هائلة ولاعب متوسط المستوى، هذا لأن تكرار الإصابات تدمر مسيرة اللاعب بغض النظر عن مستواه.
أظهرت الأبحاث أن هناك معدلات أعلى لإصابات العضلات في المباريات التي تُلعب بعد فترات قصيرة من التعافي تبلغ أربعة أيام أو أقل، مقارنة بالمباريات التي تُلعب بعد ستة أيام أو أكثر.
وهذا أمر بالغ الأهمية للأندية التي تتنافس على جبهات محلية ودولية متعددة. على سبيل المثال، لعب كل من ليفربول وتشيلسي 63 مباراة في جميع المسابقات موسم 2021 -2022 أي أكثر بمقدار الثلث من الفرق في المراكز الأخيرة.
وفي حين أن تناوب الفريق هو الطريقة المثلى لمحاولة تقليل عدد الإصابات، فإن إجراء تبديلين إضافيين في كل مباراة بالدوري سيوفر مزيدًا من الحماية ضد هذا الإرهاق الناجم عن المباراة، مع إظهار التأثيرات الإيجابية لتقليل حمل اللاعب وزيادة تعافيه إلى أقصى حد.
بالنظر إلى المتطلبات البدنية العالية للدوري الإنجليزي الممتاز مقارنة بالمسابقات الأوروبية الأخرى، يمكننا أن نفهم لماذا كان يورجن كلوب وبيب جوارديولا وغيرهما من المديرين في الأندية الكبرى من أكبر المؤيدين لقاعدة التغييرات الخمسة.
قاعدة التبديلات الخمسة أمر لا بد منه للمستقبل، يتعين علينا التأكد من أننا نمنح اللاعبين الفرصة للتعافي، ولا أرى أنها ميزة من وجهة نظر تكتيكية.
لا تؤثر الإصابات فنيًا فقط في الأندية، بل وماديًا أيضًا، حيث دفعت أندية الدوري الإنجليزي ما يقدر بنحو 166 مليون جنيه إسترليني للاعبين المصابين في موسم 2018/19، ما يعادل 14٪ من إجمالي نفقات الأجور في الدوري.
حسنًا، يبدو أن تلك القاعدة كانت حلًّا مثاليًّا للعديد من المشكلات التي تتناسب مع التطور الشره الذي تشهده كرة القدم. لن تغير تلك القاعدة تاريخ كرة القدم كما يردد البعض، لكنها كانت ضرورية لإنقاذ كرة القدم من التغير العنيف الذي تشهده.